قد يخطئ الإنسان البريء والمستقيم السلوك فتتكوّن له علاقة صداقة مع اُناس سيِّئي السّمعة والسِّيرة والأخلاق ، فتتلوّث شخصيّته ، وسمعته بسبب علاقته بهم .. وكم من شاب وناشئ نظيف الشخصيّة تحوّل إلى مقترف للأعمال المشينة والسيِّئة متأثِّراً بقُرناء السّوء المنحرفين .. فصار مجرماً وشاذّاً يُطارده القضاء ، ويحتقره الناس ، أو متسكِّعاً في الشّوارع والطّرقات ..
لذا فقرين السّوء ليس صديقاً ; لأنّ صديقك مَن صَدقَك ، ومَن يجلب لكَ الخير بمصاحبته .. أمّا مَن يسيء إليك ، ويجرّك إلى الإنحراف والجريمة ، ويجني على مصيرك ومستقبلك ، أو تكتسب منه العادات السيِّئة ، فليس صديقاً .
لذلك سـمّاه القرآن عدوّاً ، فقال :
(الأَخِلّاءُ يَوْمَئِذ بَعْضُهُم لِبَعْض عَدُوّ إلّا المُتّقِين ). ( الزّخرف / 67 )
ويصوِّر لنا القرآن حالة النّدم التي تصيب الانسان بعد أن يتورّط في الجرائم والانحراف بسبب علاقته بقرناء السّوء .. وتمنِّي هذا الانسان الذي أصبح ضحيّة لمصاحبة الأشرار ، لو أ نّه لم يلتق بذلك القرين الشرِّير ، وأن تكون المسافة بينهما أبعد نقطة في الأرض .. قال الله تعالى يصف تلك الندامة بقوله :
(يا لَيتَ بَيْني وبَيْنكَ بُعْدَ المَشْرِقَين فَبِئْسَ القَرِين ). ( الزّخرف / 38 )
وكم هو جميل تصوير الرّسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن تُخالطه من الأخيار والأشرار عندما يقول :
«مَثَل الجليس الصّالح، وجليس السّوء ، كحاملِ المِسْكِ ، ونافخِ الكير، فحاملِ المسكِ إمّا أن يحذيكَ وإمّا أن تبتاع منه ، أو تجد منه ريحاً طيِّبة . ونافخ الكير إمّا أن يحرق ثيابك ، أو تجد منه ريحاً كريهة» .
وهناك إحصائيات تنشرها المحاكم والسّجون ، ودوائر مكافحة الإجرام والمعاهد المختصّة بدراسة الجريمة ، وكلّ تلك الإحصاءات تؤكِّد أنّ نسبة عالية من الناشئين والشّباب، تعلّموا تناول المخدِّرات وارتكاب جرائم السّرقة والقتل والشّذوذ الجنسي والاعتداء ، تعلّموها من مصاحبتهم لاُناس أشرار ، فانتهت حياتهم إلى السّجن والسّقوط الاجتماعي ، واحتقار المجتمع لهم ; ولو أ نّهم كانوا بعيدين عن اُولئك الأشرار ، لما سقطوا في تلك الهاوية ، ولكانوا شباباً صالحين .
وأثبتت عمليّات التحقيق الجنائي أنّ 42 % من الناشـئين الذين تورّطوا في الاجرام والشّذوذ والإنحراف ، اعترفوا بأنّ أصدقاءهم هم الّذين ساهموا بانحرافهم .
وتفيد احصائية للأشخاص الّذين يتناولون المخدِّرات بأنّ 43 % منهم كان تناولهم لها بسبب مصاحبتهم لأشخاص يتناولون تلك المخدِّرات .
إنّ مَن يحترم شخصيّته ، ويحرص على مصيره ومكانته في المجتمع ، لا يختلط بقرناء السّوء .. وكلّ ذلك يدعو الناشئين والشّباب من الذكور الذين يختارون أصدقاءهم ، والاُناث اللّواتي يخترن صديقاتهنّ .. أن يكون الاختيار سليماً، ولأشخاص معروفين باستقامة سلوكهم، وحُسن أخلاقهم وسمعتهم .