كلّ إنسان له أسراره الخاصّة به ، وعليه أن يحتفظ بسرِّه ، فإنّه جزء من شخصيّته ، فلا ينشره بين الناس ، فيعرِّضها للخطر ، وربّما للإهانة .. فيجني على نفسه أو اُسرته ..
وقد يثق البعض ببعض الناس فينقل اليه أسراره، والقضايا الخاصّة به ، فيضع مصيره وسمعته بيد الآخرين ..
وكما يقول المثل : الكلمة مُلكك ، فإن خرجت منك صرتَ ملكاً لها .
إنّ الإنسان قد يحتاج إلى أن يستشير بعض أصدقائه أو معارفه في قضية خاصّة به ، فيطلعهم عليها لمساعدته ، أو ليحذِّرهم منها ، وواجبهم الشرعي والأخلاقي الاحتفاظ بذلك السرّ فإنّه أمانة .. وتلك المسألة مسموح بها في حدود الثقة والمصلحة ..
ولكن البعض من الناس يعيش حالة من السّذاجة والثرثرة ، فيتحدّث بكل ما عنده لمن يصادقه ويصاحبه ..
إنّ بعض الناس يحتفظ بالسِّرّ ما زالت علاقته حسنة بك ، فإن اختلف معك كشف سرِّك ، أو قد يتحوّل بعض الناس من وضع حسن إلى وضع سيِّئ فيستخدم السِّرّ الذي اطّلع عليه بالأمس لابتزازك ، وإرغامك على ما يريده منك ، وإلاّ كشف سرّك ..
ومن الناس مَن لا يحتفظ بالسِّرّ ، ولا يحرص على مصير الآخرين وسمعتهم، فعندما يستمع إلى حديث من صديقه يُسارِع بنقله والتحدّث به للآخرين ..
وكم من الناس ذهب ضحيّة إفشاء السِّرّ وكشفه ، فسقط في المجتمع، أو عُرِّض للأذى والمشاكل .. والسرّ أحياناً يكون في شيء سيِّئ يصدر من الانسان بسبب جهله وخطأه .. والله سبحانه يستر على عباده ويعفو ، ويغفر للتائبين ، وحينما يكشف الانسان سرّه يُعرِّض شخصيّته وسمعته للإهانة والخطر ، وربّما يقطع طريق الاصلاح والخلاص على نفسه ، وذلك فعل محرّم ، وجناية على النفس ، وخيانة لها ..
وكم من الوصايا التي صدرت عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام)والحكماء ترشدنا إلى حفظ السرّ ، نذكر من تلك الوصايا والحكم :
«سِرُّك أسيرك ، فإن أفشيته صرت أسيره».
«إفشاء السرّ سقوط».
«لا تطلع صديقك من سِرِّك ، إلّا على ما لو أطلعت عليه عدوّك لم يضرّك ، فإنّ الصّديق ، قد يكون عدوّاً يوماً ما».
لنتعلّم من تلك التجارب والحكم ، ولنحفظ ألسِـنَتنا من الثرثرة ، والتحدّث بالسرّ الخاص بنا .. وكما نطلب من أصدقائنا أن يحفظوا سرّنا ، إذا اطّلعوا عليه ، فإنّ واجبنا أن نحفظ سرّ اخواننا وأصدقائنا ، وأن نستر عليهم عيوبهم وأخطاءهم ..
ويهدينا الرّسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذه الخُلق الكريمة بقوله :
«مَنْ سَتَرَ أخاهُ المُسلِم في الدُّنيا فلم يفضحهُ ، سرّهُ الله يوم القيامة» ..
فكما نعرف أنّ الانسان يخطئ وتصدر منه زلّات وعثرات ، لو اطّلع عليها الآخرون لكانت مصدر أذى وإساءة لشخصيّته ; لذلك أمرنا الله سبحانه أن نستر أخطاء الناس وزلّاتهم . ومن حقِّهم علينا النّصح والإرشاد ، من غير أن نُطلِع أحداً على ذلك .