كان نبي الله أيوب عليه السلام ذا مال كثير، ورزقه الله من الولد ما شاء الله أن يرزقه، وكان عليه السلام ما أن يسمع بجائع حتى يأتي إليه فيطعمه، أو يسمع بعاري فيأتيه بالكسوة، وإن رأى متخاصمان أصلح بينهما.
ولأن الله سبحانه وتعالى يبتلي من عباده من يُحب، ابتلاه، فأخذ منه الولد، والمال، وابتلاه بالمرض، حتى لبث في مرضه السنين الطوال، ولم يَسلم منه سوى اللسان الذي يذكر الله به.
عندما رأى أصحابه والمستفيدين منه ما حل به تركوه ورحلوا عنه، ولم يحفظ ودَّه إلا زوجته وصاحبان له.
كانت زوجة نبي الله أيوب عليه السلام إمرأة صالحة، وكانت تحب أيوب حباً جماً، وكان أيوب عليه السلام يحبها كثيراً.
بدأت زوجته عليها السلام، تتنقل من بيت إلى بيت عسى أن تعمل عند أحدهم، حتى وافق أحدهم على العمل لديه يوماً واحداً، فخبزت لابنهم قرصاً وكان ابنهم نائماً فكرهوا أن يوقظوه فوهبوه لها، فأتت به إلى أيوب فأنكره وقال: ما كنتِ تأتيني بهذا فما بالك اليوم؟
فأخبرته الخبر، قال: فلعل الصبي قد استيقظ فطلب القرص فلم يجده فهو يبكي على أهله فانطلقي به إليه، فعادت فوجدت الصبي قد استيقظ وهو يطلب القرص ويبكي ولا يقبل منهم شيئاً غيره.
عادت زوجة أيوب للبحث عن العمل، فلم تجد، فاضطرت إلى قص ضفيرة من شعرها وبيعها، وجاءت بالطعام لزوجها، فقال لها: من أين لك المال؟
قالت: عملت، فسكت نبي الله أيوب عليه السلام.
وفي اليوم الثاني باعت ضفيرتها الأخرى، وجاءته بالطعام، فسألها من أين جئت بالطعام، فقالت له: عملت، فأصر عليها، فكشفت عن شعرها، فلما رأى ما فعلت غضب عليها، وحلف بالله إن شفاه الله أن يضربها مئة جلدة.
بقيت زوجة أيوب صابرة مع زوجها صبر الجبال، حتى جاءها إبليس يوماً يُقنعها، أن تُقنع زوجها أن يُطيعه ولو لمرة واحدة، فطردته ولعنته.
وفي يوم جاءت إلى أيوب: فقالت له: يا نبي الله، لو دعوت الله يفرج عنك.
فقال: قد عشت سبعين سنة صحيحاً، فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة.
بدأ البلاء يزداد على أيوب وزوجته حتى لم يستطيعا أن يأكلا لأيام طويلة.
خرجت زوجته يوماً للبحث عن الطعام، فرفع نبي الله أيوب عليه السلام يديه إلى رب السموات والأرض، إلى الله سبحانه وتعالى، إلى العليم الخبير، إلى الرؤوف الرحيم، إلى القائل: " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " رفع أيوب يديه إلى الله قائلا: " أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ "
وما انتهى أيوب من دعائه حتى نزل جبريل عليه السلام إلى أيوب وقال له: " ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ " فضرب أيوب بقدمه في الأرض فنبع الماء، فاغتسل منه، فعاد كما كان، " وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ " وألبسه الله حلة من الجنة.
جاءت زوجته فلم تجده، فبحثت عنه وهي تبكي، حتى جاءت إلى رجل جالس على هيئة حسنة، فقالت له: يا عبد الله، أين ذهب أيوب المبتلى الذي كان هاهنا.
فقال لها: ويحك، أنا أيوب.
قالت: أتسخر مني يا عبد الله ؟
فقال: ويحك أنا أيوب قد رد الله علي جسدي.
فرحت زوجته برفع البلاء عنه، ثم أراد تكفير يمينه، فأمره الله أن يأخذ مئة عود رفيع وأن يضربها بهم ضربة واحدة، وهكذا لم يحنث أيوب بيمينه، ولم تحس زوجته بالألم.