حين يرى الإنسان ملك الموت ومن معه يحصل له انهيار للقوى وعدم مقاومة واستسلام للمصير فهو يسمع ولا يستطيع أن يرد ويرى ولا يستطيع أن يعبر ويحصل لديه ارتباك فيصحو أحياناً ويغفو أحيانا من شدة سكرات الموت.
وسكرات الموت هي كرباته وغمراته وقد عانى الرسول من هذه السكرات ، ففي مرض موته كان بين يديه ركوة فيها ماء ، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه عليه الصلاة والسلام ويقول : " لا إله إلا الله ، إن للموت سكرات " أخرجه البخاري ،هذه هي السكرات رفعة لدرجات المؤمن وتكفير لسيئاته تخرج روح المؤمن حين يناديها ملك الموت بالخروج كما ورد فب الحديث في قوله " أخرجي " فتستخرجها الملائكة المرافقه لملك الموت كما قال صلى الله عليه وسلم " فيستخرجونها من جسده" فإذا وصلت الحلقوم قبضها ملك الموت كما قال تعالى [فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ] {الواقعة:83} ثم يقبضها الملائكة المرافقون لملك الموت ولا يدعوها في يده طرفة عين ويصعدوا بها إلى السماء ،تخرج روح المؤمن بسهولة بالغة فرحة مطمئنة كما قال تعالى :[إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا] {فصِّلت:30}
بخلاف روح الكافر التي تتفرق روحه في جسده هروبا ووجلا من مصيرها بعد الخروج وبعد البشارة بغضب الجبار جل جلاله ، فتنزع بشدة وبلا رفق ولا هوادة كما قال تعالى: [وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ]قال بن كثير رحمه الله، أَيْ بَاسِطُو أَيْدِيهمْ بِالضَّرْبِ فِيهِمْ بِأَمْرِ رَبّهمْ إِذْ اِسْتَصْعَبَتْ أَنْفُسهمْ وَامْتَنَعَتْ مِنْ الْخُرُوج مِنْ الْأَجْسَاد أَنْ تَخْرُج قَهْرًا وَذَلِكَ إِذَا بَشَّرُوهُمْ بِالْعَذَابِ وَالْغَضَب مِنْ اللَّه كَمَا فِي حَدِيث الْبَرَاء أَنَّ مَلَكَ الْمَوْت إِذَا جَاءَ الْكَافِر عِنْد اِحْتِضَاره فِي تِلْكَ الصُّورَة الْمُنْكَرَة يَقُول : اُخْرُجِي أَيَّتهَا النَّفْس الْخَبِيثَة إِلَى سَمُوم وَحَمِيم وَظِلّ مِنْ يَحْمُوم فَتَفَرَّقُ فِي بَدَنه فَيَسْتَخْرِجُونَهَا مِنْ جَسَده كَمَا يُخْرَج السَّفُّود مِنْ الصُّوف الْمَبْلُول فَتَخْرُج مَعَهَا الْعُرُوق وَالْعَصَب>
نعود لحال المؤمن عند الاحتضار قال صلى الله عليه وسلم:" إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ،، وهذه أول بشارات المؤمن ، رؤية ملائكة الرحمة بصور مشرقه مضيئة كضياء الشمس ، ليسر المؤمن ويطمئن وينشرح صدره بهذه البشارة قال عليه الصلاة والسلام ، حتى يجلسون منه مد البصر ، يراهم في مكان متسع واسع بمد بصره ، ولو كان في مرأى الناس يحتضر ويموت في أضيق مكان، قال صلى الله عليه وسلم " معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة " سبحان الله ، سبحان الله، أهل الأرض من أهل الميت يكفنون جسد ميتهم ويحنطونه ، وأهل السماء من الملائكة يكفنون روح الميت ويحنطونه ، الجسد يكفن ويحنط من الارض والروح تكفن وتحنط من السماء ، قال صلى الله عليه وسلم " فيجيء ملك الموت " أول من يتقدم تجاه المحتضر ملك الموت ""
قال صلى الله عليه وسلم فيقعد عند رأسه فيقول لروح المؤمن : أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فإذا أخذها ، أي ملك الموت بعد أن أستخرجها الملائكة المرافقون معه من الجسد حتى وصلت إلى الحلقوم وقبضها ملك الموت قال صلى الله عليه وسلم " لم يدعوها في يده ، أي لم يدع الملائكة المرافقون لملك الموت روح المؤمن في يده طرفة عين ، قال صلى الله عليه وسلم حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون ( أي بها إلى السماء ) فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون: هذا فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فيفتح لهم فيستقبله من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة ،قال : فيقول الله : اكتبوا كتاب عبدي في عليين في السماء السابعة وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه في جسده ( بعد أن دفن وأهيل على التراب ) قال صلى الله عليه وسلم ويأتيه ملكان فيُجلسانه ( والجلوس هنا للروح لا للجسد ) لإن النعيم أو العذاب يستمر على العبد في قبره على روحه
وأما الجسد فيصبح ترابا كما بين تعالى في كتابه وفي عدة مواضع على لسان المنكرين للبعث حين قالوا " أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ " فلم ينكر سبحانه وتعالى عليهم قولهم " وكنتم ترابا وعظاما " فدل على أن هذا حق وأن الجسد مصيره للتراب ،فال الشيخ بن عثيمين رحمه الله ، الأصل أن النعيم أو العذاب على الروح ، لأن الحكم بعد الموت للروح ، والبدن جثة هامدة ، ولهذا لا يحتاج البدن إلى إمداد لبقائه ، فلا يأكل ولا يشرب ، بل تأكله الهوام ، وقال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله : ولايمنع أن تَتَّصِل الروح بِالْبَدَنِ أَحْيَانًا فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ أو َالْعَذَابُ وكيفية ذلك لايحيط بها إلا الله تعالى ، لكن الله تعالى قد يحفظ مع الروح أجساد بعض عباده كالانبياء وبعض الصالحين ، فيكون النعيم على الروح والجسد بالكيفية التي تكون في عالم البرزخ ولا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى
قال صلى الله عليه وسلم فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيقولان : ما عملك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقت به فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من طيبها وروحها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول : أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد ،فيقول : ومن أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي قال تعالى " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بماكنتم تعملون " قال الطبراني رحمه الله : طَيِّبُونَ بِتَطْيِيبِ اللَّه إِيَّاهُمْ بِنَظَافَةِ الْإِيمَان قال تعالى " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ".
معاشر المسلمين، كم تُطوى الليالي والأيام، وتنصرم الشهور والأعوام، فمن الناس من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وإذا بلغ الكتاب أجله فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. وهذه سنة الحياة، والليل والنهار متعاقبان، والآلام تكون من بعد زوالها، أحاديث وذكرى ولا يبقى للإنسان إلا ما حمله زاداً للحياة الأخرى، ينظر المرء ما قدمت يداه، أيها المسلمون، لقد أظلكم شهر عظيم مبارك، كنتم قد وَعدتم أنفسكم قبله أعواماً ومواسم، ولعل بعضكم قد سوّف وقصّر، فها هو قد قرب أجله، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقيّ من حرم رحمة الله وفي الصيام يتجلى في نفوس أهل الإيمان الانقياد لأوامر الله، وهجر الرغائب والمشتهيات، يدعون رغائب حاضرة، لموعد غيب لم يروه إنه قيادة للشهوات وليس انقياداً لها.في نفوسنا يا عباد الله، شهوةٌ وهوى، والصوم ترويض للغرائز، وضبط للنوازع، إن عبّاد المادة وأرباب الهوى، يعيشون ليوم حاضر، يطلقون لغرائزهم العنان، إذا أحرزوا نصيباً طلبوا غيره، شهواتُهم مسعورة وأهواؤهم محمومة ونفوسهم ملوثة ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ ٱلاْمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3]، يجعلون مكاسبهم وقوداً لشهواتهم، وحطباً لملذاتهم، ويوم القيامة يتجرعون الغصة[ ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ [غافر:75
هناك أناس استقبالهم له تأفف، وقدومه عليهم عبوس، لقد هرم فيه أقوام، فزلت بهم أقدام، اتبعوا أهواءهم فانتهكوا الحرمات، واجترؤوا على المعاصي فباؤوا بالخسار والتبار، ومن الناس من لا يعرف من رمضان إلا الموائد، وصنوف المطاعم والمشارب يقضي نهاره نائماً، ويقطع ليله هائماً، فيا غيوم الغفلة تقشعي، ويا قلوب المشفقين اخشعي، ويا جوارح المتهجدين اسجدي لربك واركعي، وبغير جنان الخلد أيها الهمم العالية لا تقنعي. طوبى لمن أجاب وأصاب، وويل لمن طرد عن الباب.في هذا الشهر ذنوب مغفورة، وعيوب مستورة ومضاعفة للأجور، فاجتهدوا رحمكم الله واعرفوا لشهركم فضله وأملوا وأبشرو منقول للفائدة