إن تربية الأبناء هى نتاج احتكاكهم الدائم بالكبار فى شتى المواقف والأوقات، فنحن لا نجمع الأبناء مرة كل أسبوع ونقول لهم هذا موعدكم معنا لنربيكم !!
ولكن من خلال الأوقات الطويلة التى يقضيها الأبناء مع الأهل، ورؤيتهم لهم كيف يتصرفون فى كل موقف، ثم أخذهم عنهم كقدوات ورموز أمام أعينهم يتعلمون منهم ويقلدونهم فى كل ما يقولون ويفعلون، والأصل أن الكبار لا يألون جهداً فى تربية الصغار وإبداء القدوة الحسنة لهم، ولكن قد لا ينتبهون إلى أن هناك أوقات يكون الصغار أكثر استعداداً واستجابة لتلقي التوجيه من الوالدين أو المربين.
وإن اختيار الوالدين للوقت المناسب فى توجيه ما يريدان وتلقين أطفالهم ما يحبان دوراً فعَّالاً في أن تؤتى النصيحة أُكلها، كما أن اختيار الوقت المناسب المؤثر فى الطفل يُسهِّل ويقلل من الجهد المبذول فى العملية التربوية، فإن القلوب تقبل وتدبر، فليغتنم الوالدان زمن إقبال قلوب أبنائهم.
نلقي الضوء على هذه الأوقات وأهميتها:
1- في النزهة والطريق والمركب:
إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول؛ يراعي عمر الطفل وقدراته العقلية، فيعطيه جرعة التعليم والتوجيه التى يستوعبها فهمه، ويدركها عقله، ويتخير لهذا التوجيه أنسب الأوقات والأماكن، فلم تكن هذه التوجيهات فى غرفة محدودة، وإنما فى الهواء الطلق .. حيث نفس الطفل أشد استعداداً للتلقي وأقوى على قبول النصائح والتوجيهات، ثم يلقي الموعظة الإيمانية على الطفل؛ فيعتقدها قلبه، وتظهر على سلوكه، فيجتمع فيه العلم والعمل.
كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابن عباس رضي الله عنه وهو علي الدابه
2- وقت الطعام:
هذا عمر بن أبى سلمة رضى الله عنه يصف ذلك ويقول: ((كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله: "يا غلام؛ سمِّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك"، فما زالت طعمتي بعد))
3- وقت مرض الطفل:
إذ المرض يلين قلوب الكبار القساة، فما بالنا بالأطفال الذين مازالت قلوبهم عامرة باللين وحسن الاستقبال؟
والطفل في المرض تجتمع لديه صفتان حميدتان:
الأولى: فطرية الطفولة.
والثانية: رقة القلب عند المرض.
فعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم -فمرض فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم – يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: "أسلم" فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:" الحمد لله الذى أنقذه من النار"، رواه البخاري. وعلى الرغم من أن هذا الطفل كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يدعوه إلى الإسلام بعد، إلى أن وجد النبى صلي الله عليه وسلم الوقت المناسب لدعوته، فأتاه وعاده فى مرضه ودعاه إلى الإسلام، فكانت هذه الزيارة مفتاح النور لهذا الطفل