ذهبت لأقدم إليه واجب العزاء بعد عودتى من الخارج وسماعى ان زوجته قد فارقت الحياه . وكان مجلس العزاء قد إنفض ,
والبيت الكبير يلفه الصمت , وابا حامد يجلس فى ركن مظلم من الحديقة , يبحث عمن يسامره بعد أن استقل الأبناء ببيوتهم
وعائلاتهم , ورحلت المرأه التى أسند ظهره اليها طيلة أربعين عاما . جلست إلى جواره نراقب النجوم وكان الصيف لم
يهبط بسخونته بعد , وأشجار الحديقة تؤنسنا بحفيف أوراقها وتبعث فى القلب حنينا وأسى
قال ابا حامد : " كانت امرأه عظيمة ( رحمها الله ) احتملتنى وانا لست بهين , وصبرت على طباعى ونزواتى وفورات
غضبى , ولم تضع عباءتها لتغادر هذا البيت حتى فى اصعب فصول خلافاتنا "
ام اتصور أن يفتح لى الرجل الكبير قلبه ليصارحنى بتفاصيل حياته مع زوجته الراحلة . كنت أصغر منه بعشرين عاما على
الاقل ولك اكن متعودة على مصارحات من هذا النوع , ان ابا حامد فى سن والدى رحمه الله .. وقد ودعت أبى دون
أن أسمح انفسى يوما بأن استجوبه إن كان سعيدا مع أمى ام غير سعيد ..بل انه ما كان ليجيبنى لو سألته.
وها هو ابا خالد يجلس معى تحت نجوم السماء يكاشفنى بمكنونات قلب حزين , لديه حساب حميم يريد أن يصفيه فى تلك الليلة
الصيفية العابقة بأنفاس الورود.. قلت له على إستحياء :: " لماذا تلوم نفسك وتعذبها يا عمى ...فلو لم تكن زوجتك رحمها الله
راضية بعيشتها معك لما أقامت لديك أربعين سنة "
خيل الى ان دمعة تدحرجت على خده واحتجبت بالظلام , مسحها بسرعة , وقال : " وهل كان لها الخيار ؟
هل تختار النساء فى مجتمعاتنا حياتهن ؟؟ انهن يصبرن على " الضيم " فى سبيل أولادهن وسمعة الاسرة , وخوف من
التورط فى الفراغ " .... اعترف لى ابا حامد بأنه لم يكن مخلصا لزوجته . وعدا المغامرات العابرة , فقد أتخذ لنفسه نساءا
أخريات فى مدن آخرى , وكانت اُم حامد تسمع قصصا كثيرة عن زوجها , لكنها لم تسأله إلا عما كان يصارحها به شخصيا .
جاءها ذات يوم بعيد وأيقظها من النوم بعدمنتصف الليل .. ولما نظرت الى وجهه وعينيه المحمرتين أدركت ان هناك امرا
رهيبا قد حصل , كان قد عاد من جنازة زوجة ثانيه له . ماتت وهى تنجب له طفلا . ولك تكن ام حامد تعرف الزوجة
الاخرى لكنها كانت تسمع احاديث وتقولات عنها وانها تنتظر وليدا ...
هبت ام حامد من فراشها وأسرعت تعد الشاى لزوجها المنهار . حتى إذا استراح وهدأت أنفاسه , قالت له بكل حزم
" غدا تذهب وتأتى بالطفل ليتربى بين اخوته واخواته " . وقبل ان تعود إلى النوم قرأت المرأة الطيبه الفاتحة على روح
ضرتها المتوفاه .. وبرغم طيببتها ورجاحة عقلها . فقد أعترف لى ابا حامد ايضا بأنه كان عنيفا معها , متسلطا , يريد لأوامره
ان تنفذ فى لحظتها . ولم يكن يغفر سهوا أو تهاونا . ... كانت تجعل من نفسها جدارا بينه وبين أبنائه عندما يغضب ,
تتلقى عنهم ما " يجود " به من لكمات , ثم تكون هى من يصالحهم مع ابيهم فى اليوم التالى
لم تكن الدموع تتدحرج بصمت عندما فرغ من كشف أورام قلبه . كان نشيجه قد اصبح مسموعا , فتركته يسرى عن نفسه هموم
اربعين عاما . ما أصعب أن يقف الرجل فى لحظة متأخرة من حياته ليدرك انه كان ظالما لاربعين عاما ......
أخطأ فى حق أقرب الناس إليه ؟وقرأت الفاتحة على روح أم حامد , وارواح الاف النساء مثلها
لا يعترف الرجال بفضائلهن الا بعد فوات الاوان.
عجبنى معنى تلك القصه اتمنى ان تعجبكم