أبودجانة في معركة أحد يقول يترس نفسه على النبي والسهام والنبال تقع على ظهره رضي الله عنه وهو لا يبالي وهو لا يهتم رضي الله عنه لأن السهام تقع على ظهره ولا تصيب رسول الله ..
من هذا النبي الذي أحبه الناس هذا الحب قال شاعر فيه :
أصفى من الشمس في نطق وموعظة ** أمضى من السيف في حكم وفي حكمي
أغر تشرق من عينيه ملحمة ** من الضياء لتجلوا الظلم والظلمي
في همة عصفت كالدهر واتقدت ** كم مزقت من أبي جهل ومن صنمي
محرر العقل باني المجد باعثنا ** من رقدة في دثار الشرك واللممي
بنور هديك كحلنا محاجرنا ** لما كتبنا حروف صغتها بدمي
هذا أحد الأنصار يقول النبي:" من رجل يشتري لنا نفسه " فيقول الرجل أنا يا رسول الله أنا يا رسول الله فيدخل الرجل في صفوف المشركين أنظروا للتضحية لرسول الله فيقاتل الرجل حتى تثخنه الجراح فيحمل وقد سالت الدماء من على جسده فيوضع والنبي جالس عليه الصلاة والسلام يوضع خده على قدم النبي عليه الصلاة والسلام ويقول النبي:" أدنوه مني أدنوه مني " فإذا بالرجل خده على قدم النبي تفيض روحه إلى بارئها ..
سعد ابن الربيع سعد بن الربيع يقول النبي:" أين سعدا أين سعدا ابحثوا عن سعد وأتوني بخبره " فيذهب الصحابة يبحثون عنه فيأتيه رجل وإذا بسعد يحتظر في الرمق الأخير يقول له يا سعد إن رسول الله يقرؤك السلام ويقول كيف تجدك كيف تجدك فيقول سعد أخبر رسول الله أبلغه مني السلام وأخبره أني أجد ريح الجنة أني أجد ريح الجنة الله أكبر وهو في الدنيا يشم رائحة الجنة ثم أخبر قومي الأنصار وقل لهم لا عذر لكم لا عذر لكم إن يُخلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف
هذا أنس بن النضر لما رأى الصحابة جالسين قال لهم من الذي أجلسكم قالوا مات رسول الله فما تصنعون بالحياة بعده فما تصنعون بالحياة بعده قوموا قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله فدخل أنس يموت لأن النبي قد مات يخترق صفوف المشركين فيقاتل في سبيل الله فيصاب بأكثر من ثمانين ضربة وطعنة فيخر على الأرض صريعا ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) ..
أما في حنين وما أدراك ما الذي حصل في حنين لما تراجع الناس تقدم أشجع الناس إنه رسول الله عليه الصلاة والسلام يتقدم وهو على بغله والصحابة يمسكون زمامها يريد النبي أن يتقدم في صفوف المشركين رافعا عصاه وسلاحه وهو يقول:" أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب يا عباس نادي أصحاب السمرة نادي أصحاب البيعة " فيناديهم العباس فإذا بالصحابة يتذكرون تلك البيعة التي بايعوا فيها النبي على الجهاد فيرجعون بدوابهم ومن لم يستطع الرجوع بدابته رمى نفسه من عليها وهم يقولون لبيك رسول الله لبيك رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا لما انتهت المعركة قسم النبي الغنائم على الذين أسلموا حديثا ولم يعطي الأنصار شيئا فخاف الأنصار أن النبي قد هجرهم وأنه سوف يرجع إلى وطنه وإلى بلاده فإذا بالنبي يجمعهم في حائط فيقول لهم:" يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي " فبكى الأنصار الله ورسوله أمن ثم قال لهم النبي اسمع ما الذي قال :" ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي إلى رحالكم " فبكى الأنصار وقالوا الله ورسوله أمن ثم قال لهم:" لولا الهجرة لكنت أمرا من الأنصار لو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها الأنصار شعار والناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار " وأخذ يدعوا لهم فبكى القوم حتى ارتفع صوتهم بالبكاء واخضلت لحاهم وهم يقولون رضينا برسول الله رضينا برسول الله قسما وحظا ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)..
سمع أن يهوديا من جيرانه يهودي مرض ماذا يصنع وهم أشد الناس عداوة له ماذا يفعل نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام هل فرح هل استبشر بأن يهوديا مرض هل دعا عليه بالموت بل زاره عاده وجلس عند رأسه شاب مريض وعند الشاب أبوه يهودي كبير تعرف ماذا قال له قال له النبي:" يا فلان قل لا إله إلا الله أشهد أني رسول الله " فإذا بالشاب لا يرد على النبي عليه الصلاة والسلام فنظر الشاب إلى أبيه واليهود يعرفونه كما يعرفون أبناءهم نظر اليهودي إلى أبيه ماذا يقول له أبوه تعرف ماذا قال أبوه قال اليهودي الكبير قال يا بني يا بني أطع أبا القاسم أطع أبا القاسم فقال الشاب أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فمات الشاب من ساعته فخرج النبي متهللا مبتسما ضاحكا وهو يقول" الحمد لله الحمد لله الذي أنقذه من النار بي الذي أنقذه من النار بي " ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) ..
بل كان المنافقون يسبونه ويشتمونه وكان يدعوا لهم ويستغفر لهم بل صلى عليهم حتى قال الله عز وجل ( إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ) .. قال :" لأزيدن على السبعين مرة " فنهاه الله عز وجل أنظروا إلى رحمته كان ينادي حليمة السعدية مرضعته كان يناديها وهو قد تجاوز الأربعين من العمر يناديها :" يا أماه يا أماه " دعا الله استأذن ربه أن يزور قبر أمه وقد ماتت مشركة فأذن الله له فاستأذنه أن يستغفر لها فلم يأذن الله له فكان إذا مر على قبرها زار قبرها وجلس عند قبرها وأخذ يبكي عليه الصلاة والسلام رحمة وأي رحمة ..
زيد ابن حارثة مولى من الموالي خدم عند النبي سنين فلما جاءه أبوه وعرفه أراد أبوه أن يرجعه إليه فطلب زيد من أبيه أن يبقى عند النبي عليه الصلاة والسلام يقدمونه الناس على آباءهم على أمهاتهم على أبناءهم حب وأي حب هذا ..
يأتيه رجل من الأعراب فيجبذه من رداءه حتى أثر الرداء على صفحة عنقه عليه الصلاة والسلام فإذا بالأعرابي يقول يا محمد أعطني من المال أعطني شيئا من المال فإذا بالنبي يبتسم فيقول لأصحابه : "أعطوه من بيت المال أعطوه من بيت المال "..
يسوي الصفوف يوم من الأيام فإذا برجل من الصحابة متقدم فيدفعه النبي فكأن وجهه قد تغير فقال له النبي :" أوجعتك ؟! " قال له نعم قال تريد أن تقتص قال الصحابي نعم الله أكبر قائد الجيش مع فرد من الأفراد قال تريد أن تقتص قال نعم قال:" خذ حقك " والصحابة ينظرون فقال له الرجل يا رسول الله إن بطني مكشوف فاكشف لي عن بطنك فكشف النبي عن بطنه يريد الصحابي الآن أن يأخذ حقه تعرف ماذا صنع انكب الصحابي على بطن النبي وأخذ يقبله وهو يبكي قال النبي:" لم فعلت هذا يا فلان ؟! " قال أردت قبل الجهاد ربما أموت أردت أن تمس بشرتي بشرتك قبل أن ألقى الله عز وجل ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ{1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ{2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ{3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{4} ) من الذي يصفه بهذا رب العالمين جل وعلا يصفه بأنه على خلق عظيم ..
في معركة بدر يقول عبدالرحمن بن عوف يقول غمزني شاب عن يميني قلت له قال يا عم أين أبوجهل قال ما شئنك وشأنه يا غلام قال لقد سمعته أنه سب رسول الله فوالله لإن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال سبحان الله يقول فغمزني شاب عن يساري فقال لي نفس الكلام قال سمعت أنه سب رسول الله ..
أين شباب الأمة اليوم أين من الذين يسبون رسول الله ؟! أين من الذين يطعنون برسول الله ؟! أين هم من الذين يستهينون بسنة رسول الله ؟! أنا لا أقول نغتالهم أنا أقول على الأقل ندافع عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام إن كان الأمر جهاد فالقتل هو نهاية من يطعن برسول الله الحرب والقتل والجهاد يقول فلما رأيت أباجهل قلت لهما هذا صاحبكما يقول فانقضا عليه كما ينقض الصقر على الفريسة فارداه قتيلا لم إنه الحب لرسول الله حبهم لرسول الله لا يعدله حب ألبته ..
يقول أحد الكفار أحد المستشرقين يقول لو كان محمد حيا لحل مشاكل الشرق والغرب كل المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كل المشاكل يقول لو كان محمد حيا بيننا الآن هذا مستشرق يقول لحل مشاكل العالم وهو يشرب فنجان قهوة وهو يشرب فنجان قهوة تعرف لم يا عبد الله لأنهم يعرفون قدره كان يحب الله عز وجل وكثير العبادة كان إذا جاء الليل عليه الصلاة والسلام وأرخى الليل ستوره يقوم بين يدي الله يكبر فيصلي ويبكي يقول لعائشة في يوم من الأيام:" ذريني يا عائشة أتعبد ربي " قالت والله يا رسول الله إني أحبك وأحب قربك وأحب ما تحبه فتركته تقول فتوضأ فكبر يصلي تقول فبكى حتى أخضلت لحيته فبكى حتى بل حجرة فبكى حتى بل الأرض كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ويخشى الله عز وجل أشد الخشية لما انكسفت الشمس في حياته فزع فقام من مكانه وذهب للصلاة يقولون حتى نسي رداءه فجاءه الصحابة بردائه ووضعه على كتفيه وهو يصلي فأخذ يصلي ويقرأ القرآن قراءة طويلة يقول الراوي فأخذ يبكي في الصلاة وهو يقول ويدعوا الله يقول ربي ربي لم تعدني هذا وأنا فيهم ربي لم تعدني هذا ونحن نستغفرك ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ) كرامته على الله (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) ..
بل كان إذا جاءت الريح يخاف عليه الصلاة والسلام وكان يقول عذب قوم بالريح وظنوا أنه عارض ممطرهم ولكنها كانت ريح فيها عذاب شديد ..
يوم القيامة أنظروا كيف يرفعه الله عز وجل على العالمين كل الأنبياء يقولون نفسي نفسي إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله إلا النبي عليه الصلاة والسلام صاحب الشفاعة الكبرى الذي يقول للناس:" أنا لها أنا لها " فيذهب فيسجد بين يدي الله ولا يحق لأحد السجود إلا رسول الله حبيبنا عليه الصلاة والسلام يسجد بين يدي الله عز وجل فيقول له الرب بعد أن يلهمه تسابيح لم يكن يعلمها في الدنيا يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فيقول:" اللهم اللهـم أمتي أمتـي أمتي أمتـي " ..
قال فيه الشاعر :
لما اتتتق من ليلة استجبت لها ** العين تغفوا وأما القلب لم ينم
تمسي تناجي الذي أولاك نعمته ** حتى تغلغلت الأورام في القدم
أزيز صدرك في جوف الظلام سرى ** ودمع عينيك مثل الهاطل العمم
الليل تسهره بالوحي تعمره ** وشيبتك بهود آية استقم
صبر ودعا إلى الله فلم يجزع يوما من الأيام كان يحلم على كل من جهل عليه كان يدعوا إلى الله عز وجل رجاء أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا في حجة الوداع أوحى الله إليه أنك يا محمد سوف تغادر هذه الدنيا لقد قربت المهمة على النهاية فإذا به فإذا به يهيأ قومه ويهيأ المسلمين لهذا أيها الناس خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ونعاه الله عز وجل بقوله ( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ{1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً{2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً{3} ) ..
فرجع من حجه وفي شهر صفر أصيب بوعك شديد فدخل على عائشة فقال:" يا عائشة وارأساه " قالت عائشة يا رسول الله وارأساه قال:" بل أنا وارأساه يا عائشة " فجلس مريضا وأشتد به المرض عليه الصلاة والسلام حتى عصب رأسه يوم من الأيام فخرج على المنبر في الناس فجمع الصحابة فقال بعد أن حمد لله وأثنى عليه قال:" إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبينما عند الله فأختار العبد ما عند الله " فبكى بالصحابة رجل واحد من هو إنه خليله إنه صاحبه إنه أبوبكر رضي الله عنه إنه صاحبه أبوبكر قال فديناك فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله ثم قال:" إن من أمن الناس علي في صحبتي ومالي أبوبكر لو كنت متخذا خليلا لتخذت أبابكر خليلا لكن صاحبكم خليل الرحمن " وأبوبكر يبكي ولا يعلم الناس لم يبكي علم أبوبكر بالخبر علم أبوبكر بأن النبي يخبر الناس بأنه هو العبد الذي إختار ما عند الله خرج عليه الصلاة والسلام ليلة من الليالي مع أبي مويهبة إلى المقبرة إلى البقيع يستغفر للمؤمنين قال:" يا أبامويهبة إني قد خيرت بين مفاتح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة وبين لقاء ربي والجنة " قال أبومويهبة بأبي أنت وأمي يارسول الله اختر اختر الخلد في الدنيا والجنة قال:" لا يا أبامويهبة اخترت لقاء ربي اخترت لقاء ربي والجنة "..
مرت الأيام أشتد بالنبي المرض حتى ارتفعت به الحمى واشتدت به الحرارة حتى جاء ذلك اليوم الذي استأذنه بلال بالصلاة فقال النبي لعائشة قال:" مري بلال يقرأ أبابكر السلام ويقول له أن يصلي بالناس " قالت عائشة إن أبابكر رجل أسيف مر غيره قال:" مر أبابكر فليصل بالناس خليفته من بعده " إنها الخلافة الشرعية التي سوف تكون هي الخلافة السياسية فإذا ببلال يؤذن بأبابكر أن يصلي بالناس فأقام بلال الصلاة أول صلاة يصلي فيها أحد من الصحابة لا يصلي بهم النبي عليه الصلاة والسلام فكبر أبوبكر بالصلاة وأخذ الصحابة يبكون لأن التكبير وإن كان أبوبكر لكنه ليس حبيبهم صلى الله عليه وسلم يوم ويومان ويشتد بالنبي المرض كان يسكب عليه بالقرب الماء الكثير حتى يقوم في الناس حتى يقوم ليصلي ولكن لم يستطع عليه الصلاة والسلام دخلت عليه فاطمة فبكت لما رأت حاله قالت واكرب أبتاه واكرب أبتاه قال:" يا فاطمة لا كرب على أبيك بعد اليوم لا كرب على أبيك بعد اليوم " جاءت إليه فأسرها أسر فبكت فاطمة ثم أسر آخر فضحكت فاطمة رضي الله عنها فقالت عائشة بعد زمن ماذا كان الذي أخبرك به قالت أخبرني بأنه سوف يفارق الدنيا فبكيت ثم أخبرني بأني أول الناس لحوقا به فضحكت واستبشرت بهذا ..
مر اليومان ثم في اليوم الثالث أشتد بالنبي عليه الصلاة والسلام المرض أشتد به المرض وكان على رجل عائشة فدخل عبدالرحمن أخوها وكان بيده سواك فنظر النبي إلى السواك فرطبته عائشة بريقها وسوكت به النبي عليه الصلاة والسلام ورأسه بين سحر عائشة ونحرها وبل ريقه ريقها ثم بعد قليل قال النبي بعد أن وصى الأمة بما وصاها بها قال:" لا إله إلا الله لا إله إلا الله إن للموت سكرات إن للموت سكرات " ثم قال:" بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى " ثم غمضت عيناه وفارقت تلك الروح الطاهرة ذلك الجسد الطيب فأظلم في المدينة كل شيء فدمعت أعين الصحابة وبكى من بكى أما علي فلم يقدر على الكلام أما عثمان فلم يقوى على القيام أما عمر رضي الله عنه فقال من زعم أن رسول الله قد مات لأضربنه بالسيف إن محمد لم يمت إن رسول الله لم يمت ذهب واعد ربه كما واعده موسى حتى جاءه أبوبكر فدخل على بيت ابنته عائشة فدخل على النبي وقد سجي بالغطاء فأزال الغطاء عن وجهه فدمعت عينا أبي بكر ثم قبله بين عينيه ثم دمعت عينا أبي بكر فقال طبت حيا وميتا يا رسول الله والله لا يذيقنك الله الموت مرة أخرى ثم خرج إلى الناس فنظر إلى عمر يهدد قال يا عمر أجلس فما جلس يا عمر أجلس فما جلس فقام أبوبكر خطيبا في الناس أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم قرأ قول الله ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) ..
يقول عمر كأنني أسمع الآية لأول مرة فرددها الصحابة في الطرق والشوارع والكل يردد هذه الآية ..
ومضى يوم ويومان ثم غسل النبي عليه الصلاة والسلام ثم أدخل جسده الطاهر ذلك القبر الشريف في المكان الذي توفي فيه تقول فاطمة وقد بكت بعد أن دفن تقول كيف طابت أنفسكم كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله أما علي رضي الله عنه وهو يغسله يقول وهو يبكي ما أطيبك حيا وميتا يارسول الله أما أنس يقول لما دفناه أنكرنا قلوبنا وأظلم في المدينة كل شيء وأظلم في المدينة كل شيء حتى بعد أن مضى شيء من الزمان قال أبوبكر وقد قام في الناس خطيبا قال أما بعد فقد قال النبي وهو على هذا المنبر فتوقف أبوبكر وأخذ يبكي وهو يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أما عمر بعد أن فتح بيت المقدس وأذن بلال بالناس وقف عند أحد الجدر وقف عندها عمر بن الخطاب وأخذ يبكي وبكى الصحابة معه لما تذكروا إمامهم وقدوتهم محمد عليه الصلاة والسلام (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)..
إن الناس في علاقتهم بالنبي على ثلاث درجات منهم من يحبه ويرفعه أكثر من قدره عليه الصلاة والسلام حتى إن بعضهم أوصله لمراتب الألوهية ومراتب الربوبية حتى إن بعضهم يدعوه من دون الله ويذبح له من دون الله ويستغيث به من دون الله وهؤلاء قد جاوزا الحد حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله فهو عبد الله أشرف وصف وصف به عليه الصلاة والسلام ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) ..
وصنف آخر من الناس حجوه عليه الصلاة والسلام جفوه عليه الصلاة والسلام وهجروا سنته بأبي هو وأمي لا يتبعون سنته ولا يقتفون أثره عليه الصلاة والسلام لا يعرفون شيء عن حياته ولا شيء عن سيرته لو سألتهم عن اللاعبين والمغنين لجاءوك بحياتهم وسيرهم أما عن حياة نبيهم أزواجه أبناؤه أصحابه سيرته جهاده معاركه عبادته لا يعرفون شيئا عنها تركوه حتى إنك لو أتيتهم بحديث قالوا لا نأبه بالحديث نأخذ القرآن وندع السنة حتى قال فيهم عليه الصلاة والسلام:" إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه وقال من رغب عن سنتي فليس مني "..
أما الصنف الآخر الثالث هم المتبعون له عليه الصلاة والسلام هم الذين يحشرون معه ويدخلون الجنة معه " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قيل ومن يأبى يارسول الله قال:" من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى "..
يوم من الأيام يخلع نعاله عليه الصلاة والسلام يخلع نعاله في الصلاة فإذا بالصحابة كلهم يخلعون نعالهم فينظر إليهم يقول:" فما الذي حملكم على هذا ؟ " يقولون رأيناك خلعت نعالك فخلعنا نعالنا فقال لهم عليه الصلاة والسلام:" إن جبريل قد أخبرني أن فيها أذى فخلعتها " أرأيتم إتباعا كهذا أما الناس اليوم إلا من رحم الله بعضهم قد هجر سنته واتبع هديا غير هديه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)..
يتشرف الواحد منا لما يتأسى بهديه عليه الصلاة والسلام لما يتأسى بمظهره بعبادته بأخلاقه بدعوته بجهاده بسيرته لأنه صاحب الخلق العظيم لما سألت عائشة عن خلقه قالت كان خلقه القرآن قال بعضهم
يا أمة غفلت عن نهجه ومضت ** تهيم من غير لا هدي ولا علم
تعيش في ظلمات التيه دمرها ** ضعف الأخوة والإيمان والهمم
يوما مشرقتا يوما مغربتا ** تسعى لنيل دواء من ذي سقم
لن تهتدي أمة في غير منهجه ** مهما ارتضت من بديع الرأي والنظم
بأبي هو وأمي كم علت همته في البذل الذي بذل والهول الذي احتمل لتحرير البشرية من وثنية الشرك والضمير وضياع المصير فجزاه الله خير ما جزى نبيا عن أمته وجعله أعلى النبيين درجه وأقربه منه وسيله وأعظمه منه جاها وتوفانا على ملته وعرفنا وجه في رضوانه والجنة وحشرنا معه غير خزايا ولا نادمين ولا شاكين ولا مبدلين ولا مرتابين وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله صحبه أجمعين..
م ن ق و ل
-------------------
*لا تنسونا من صالح دعائكم*