تعريف التطير :
التطير هو التشاؤم بمرئي أو مسموع .
سبب تسمية التشاؤم تطيرا :
أن العرب في الجاهلية إذا خرج أحدهم لأمر قصد عش طائر فهيجه فإذا طار من جهة اليمين تيمن به ومضى في الأمر , ويسمون الطائر " السانح " , أما إذا طار جهة اليسار تشاءم به ورجع عما عزم عليه ، ويسمى الطائر هنا " البارح " قال النووي رحمه الله تعالى : " التطير هو التشاؤم وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح فينفرون الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير ينفع ولا يضر "
التطير في القرآن :
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" لم يحك الله التطير إلا عن أعداء الرسل كما قالوا لرسلهم ( إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) (يس:19) وكذلك حكى سبحانه عن قوم فرعون ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ ) (الأعراف:131) وقال قوم صالح عليه السلام ( قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ )
(النمل:47) .
الفرق بين الطيرة والتطير :
قال العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى : " التطير هو الظن السيء الذي في القلب , والطيرة هي الفعل المرتب على الظن السيء "
الفرق بين الطيرة والفأل :
الطيرة منهي عنها كما سيأتي أما الفأل فمحبوب مندوب إليه فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل ) قالوا : وما الفأل ؟ قال ( الكلمة الطيبة ) رواه البخاري وعن أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال ( لَا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى " وكأن ذلك بحسب الواقع وأما الشرع فخص الطيرة بما يسوء والفأل بما يسر ومن شرطه أن لا يقصد إليه فيصير من الطيرة "
حكم التطير :
أولا : الطيرة باب من أبواب الشرك :
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :"( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ) وما مِنَّا إلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ ". وقوله : " وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل " وعن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ ) وإنما جعل ذلك شركا لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعا أو يدفعضرا فكأنهم أشركوه مع الله تعالى .على الله والقاعدة في هذا كما قرره شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى : أن كل من اعتمد على سبب لم يجعله الشارع سببا لا بوحيه ولا بقدره فإنه مشرك . فكيف وقد نهى الشارع عنه ونص على أنه شرك .
ثانيا : الطيرة ضرب من ضروب السحر :
عن قَبِيصَةَ بن مُخَارِقٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ ) قال ابن الأثير : العيافة زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها .
قال المناوي رحمه الله تعالى : العيافة بالكسر زجر الطير والطيرة أي التشاؤم بأسماء الطيور وأصواتها وألوانها وجهة مسيرها عند تنفيرها كما يتفاءل بالعقاب على العقوبة وبالغراب على الغربة وبالهدهد على الهدى كما ينظر إن طار إلى جهة اليمين تيمن أو اليسار تشاءم والطرق الضرب بالحصى والخط بالرمل من الجبت أي من أعمال السحر فكما أن السحر حرام فكذا هذه الأشياء أو مماثل عبادة الجبت في الحرمة .
ثالثا : الوعيد للمتطيرين
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس منا من تطير أو تطير له )
أقسام الناس في الطيرة
الأول : من يتطير ويستجيب لداعي التطير ويترك ما همَّ بفعله أو يفعله بدافع التطير فهذا قد وقع في المحرم وولج باب الشرك .
الثاني : مَن إذا وقع ما يدعو إلى الطيرة عند الناس لم يترك ما بدا له فعله ولكنه يمضي في قلق ويخشى من تأثير الطيرة .
فهذا أهون من الأول حيث لم يُجب داعي الطيرة لكن بقي فيه شيء من أثرها والواجب عليه أن يمضي متوكلا على الله تعالى لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
" ( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ) وما مِنَّا إلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ" .
الثالث : مَن لا يتطير ولا يستجيب لداعي التطير : فهؤلاء أفضل الأقسام وأكملهم وأرفعهم درجة عند الله تعالى فعن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال ( يَدْخُلُ الْجَنَّةَ من أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قالوا :من هُمْ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قال ( هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ ولا يَتَطَيَّرُونَ ولا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) .
صور مما يتشاءم الناس به
* بعض الناس يتشاءم برؤية الأعور فقد خرج أحد الولاة لبعض مهماته فاستقبله رجل أعور فتطير به وأمر به إلى الحبس فلما رجع أمر بإطلاقه , فقال : سألتك بالله ما كان جرمي الذي حبستني لأجله ؟ فقال : تطيرت بك . فقال : فما أصبت في يومك برؤيتي ؟
فقال : لم ألق إلا خيرا . فقال : أيها الأمير أنا خرجت من منزلي فرأيتك فلقيت في يومي الشر والحبس , وأنت رأيتني فلقيت الخير والسرور فمن أشأمنا ؟ والطيرة بمن كانت ؟ فاستحيا منه الوالي ووصله .
* وآخرون يتشاءمون بيوم الأربعاء أو بشهر شوال عن عَائِشَةَ قالت:" تَزَوَّجَنِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في شَوَّالٍ وَبَنَى بِي في شَوَّالٍ فَأَيُّ نِسَاءِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان أَحْظَى عِنْدَهُ منى قال وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا في شَوَّالٍ ".
قال النووي رحمه الله تعالى : " فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال وقد نص أصحابنا على استحبابه واستدلوا بهذا الحديث وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الأشالة والرفع "
وقال القاري رحمه الله تعالى : " قيل إنما قالت هذا رداً على أهل الجاهلية فإنهم كانوا لا يرون يمناً في التزوّج والعرس في أشهر الحج وقيل لأنها سمعت بعض الناس يتطيرون ببناء الرجل على أهله في شوّال لتوّهم اشتقاق شوال من أشال بمعنى أزال فحكت ما حكت رداً لذلك وأزاحه للوهم وفي شرح النقاية لأبى المكارم كره بعض الروافض النكاح بين العيدين , * الرافضة يكرهون التكلم بلفظ العشرة أو فعل شيء يكون عشرة لكونهم يبغضون خيار الصحابة وهم العشرة المشهود لهم بالجنة .
* وآخرون يتشاءمون بشهر صفر وقابلهم آخرون فصاروا يسمونه صفر الخير وذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى أن هذا من باب مداواة البدعة بالبدعة والجهل بالجهل فهو ليس شهر خير ولا شهر شر .
* وآخرون إذا سافر مثلا أو خرج إلى عمل ما وتلف أحد إطارات سيارته في الطريق يترك السفر ويرجع إلى أهله تشاؤما بما حصل .
* وآخرون يتشاءمون ببعض منازل القمر والأبراج وهذا منتشر وتتبناه كثير من المجلات قال ابن عبد الحكم : خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة والقمر في الدبران فكرهت أن أخرج به فقلت : ما أحسن استواء القمر في هذه الليلة فنظر فقال كأنك أردت أن تخبرني أن القمر في الدبران إنا لا نخرج بشمس ولا بقمر ولكنا نخرج بالله الواحد القهار .
* وآخرون يتشاءمون ببعض الحيوانات أو ببعض حركاتها عن زياد بن أبي مريم قال : خرج سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في سفر قال فأقبلت الظباء نحوه حتى إذا دنت منه رجعت فقال له رجل : أيها الأمير ارجع .فقال له سعد : أخبرني من أيها تطيرت أمن قرونها حين أقبلت أم من أذنابها حين أدبرت ؟ثم قال سعد عند ذلك : إن الطيرة لشعبة من الشرك.
* وكذا آخرون يتشاءمون برؤية بعض الطيور كالغربان والبومة وغيرها عن عكرمة أنه قال : كنا عند ابن عمر وعنده ابن عباس رضي الله عنهم ومر غراب يصيح فقال رجل من القوم : خير خير . فقال ابن عباس : لا خير ولا شر .
* وآخرون قد يتشاءمون ببعض الآيات بحيث يقوم بفتح المصحف للتفاؤل فإذا رأى ذكر النار تشاءم وإذا رأى ذكر الجنة تفاءل قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى : " وهذا مثل عمل الجاهلية الذين يستقسمون بالأزلام "
* تشاؤم بعض الناس بمن يشبك أصابعه أو يكسر عودا في مجلس عقد النكاح وهذا مما لا أصل له شرعا .
* وهناك من يتشبه بالمتشائمين فمثلا لو رأى رجلا أو شيئا لم يعجبه قال : خير يا طير . وهذا وإن لم يُرد معناها ولكنها من بقايا الجاهلية لذا ينبغي مجاهدة النفس على ترك تلك الكلمة .
علاج الطيرة وكفارتها
أولا : التوكل على الله تعالى وعدم الالتفات إليها قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ) وما مِنَّا إلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ ".
ثانيا : أن يلح في دعائه الله تعالى أن يجنبه شرها فإن وقع فيها قال الدعاء الوارد في حديث عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ ) قالوا : يا رَسُولَ اللَّهِ ما كَفَّارَةُ ذلك ؟ قال ( أن يَقُولَ أَحَدُهُمْ اللهم لاَ خَيْرَ إلا خَيْرُكَ وَلاَ طَيْرَ إلا طَيْرُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ).
ثالثا : أن يرد الطيرة متى ما وردت عليه ولا يستجيب لداعيها فعن عروة بن عامر رضي الله عنه قال : ذُكِرتِ الطِيرةُ عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أحْسَنُها الفألُ ولا تردَّ مسلماً فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهمَّ لا يأتي بالحسناتِ إِلا أنتَ ولا يدفعُ السيِّئاتِ إِلا أنت ولا حولَ ولا قوَّةَ إِلا بالله )
الرابع : أن لا يتشبه بالمتطيرين ويأتي بأفعالهم
عن أُمِّ كُرْزٍ رضي الله عنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( أَقِرُّوا الطَّيْرَ على مَكِنَاتِهَا ) رواه أحمد, وقال ابن حبان " قوله صلى الله عليه وسلم ( أقروا الطير على مكناتها) لفظة أمر مقرونة بترك ضده وهو أن لا ينفروا الطيور عن مكناتها والقصد من هذا الزجر عن شيء ثالث وهو أن العرب كانت إذا أرادت أمرا جاءت إلى وكر الطير فنفرته فإن تيامن مضت للأمر الذي عزمت عليه وإن تياسر أغضت عنه وتشاءمت به فزجرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن استعمال هذا الفعل بقوله اقروا الطير على مكناتها .
الخامس : استحضار الأدلة الناهية عن التطير فلوكان فيه خير لما نهينا عنه بل كان عقلاء الجاهلية لا يفعلونه وكان أكثرهم يتطيرون ويعتمدون على ذلك ويصح معهم غالبا لتزيين الشيطان ذلك وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين .
السادس : أن التطير يفتح باب الوسواس والهموم على المتطير،
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وأما من كان معتنيا بالطيرة فهي أسرع إليه من السيل إلى منحدره قد فتحت له أبواب الوسواس فيما يسمعه ويراه ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة ما يفسد عليه دينه وينكر عليه معيشته "
وقال رحمه الله تعالى : " المتطير مُتْعب القلب مُنكَّد الصدر كاسف البال سيء الخلق يتخيَّل من كل ما يراه أو يسمعه , أشد الناس خوفا , وأنكدهم عيشا وأضيق الناس صدرا , وأحزنهم قلبا , كثير الاحتراز والمراعاة لما يضره ولا ينفعه , وكم قد حرم نفسه بذلك من حظٍّ , ومنعها من رزق وقطع عليها من فائدة "
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
منقول من صيد الفوائد